تتجه الأنظار إلى واشنطن حيث سيستقبل دونالد ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط خشية حقيقية من انهيار الهدنة في غزة والعودة إلى المربع الأول. في إسرائيل، القلق في ذروته من أن يعبث نتنياهو بالمرحلة الثانية من المفاوضات لاستئناف القتال في غزة، فمصيره ومصير حكومته على المحك حتى لو كان ذلك على حساب الرهائن الذين تحتجزهم حماس.
أما حماس، فأعلنت بدورها بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، مشيرة إلى أنها معنية في هذه المرحلة بالقوائم. مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية قال إن الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيبحثان الإبقاء على اتفاق وقف إطلاق النار والالتزام بالإفراج عن الرهائن لدى حماس، مؤكداً أن ترامب يركز على إطلاق سراح كل الرهائن وضمان أن لا تستمر حماس في حكم غزة.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن ترامب يرى قطاع غزة كموقع هدم، ويعتقد أنه من غير الإنساني إجبار الناس على العيش هناك. وأشار إلى أن ترامب يعتقد أن إعادة إعمار قطاع غزة ستستغرق ما بين عشر إلى خمس عشرة سنة، وأن إعادة الإعمار مشكلة لا تستطيع أمريكا حلها بمفردها. وذكر المصدر أن واشنطن ترى فرصة لانضمام مزيد من الدول إلى اتفاقيات أبراهام للسلام، مؤكداً أن ترامب ونتنياهو سيناقشان إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية.
ترامب، على أي حال، قالها صراحة: لا توجد ضمانات على أن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة سيظل صامداً. وأضاف: "ليس لدي أي ضمانات، لقد شهدت بعض الأشخاص الذين تمت الإساءة إليهم، ولا أعرف إن كان السلام سيستمر في قطاع غزة. بالنسبة لنا، سنعمل على حل الصراعات، ولكن لا توجد أي ضمانات على صمود الهدنة في قطاع غزة".
وفي رد على سؤال حول خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية، قال ترامب إن مساحة إسرائيل صغيرة مقارنة بمساحة الشرق الأوسط، واصفاً ذلك بالفرق الكبير وفق تعبيره. وأضاف: "إسرائيل دولة صغيرة من حيث المساحة، أتَرَون هذا القلم؟ تخيلوا معي أن هذا المكتب هو الشرق الأوسط، وهذا القلم فقط هو إسرائيل. هذا ليس جيداً، إنه فرق كبير، أنا أطرح هذا كمثال دقيق، إنها مساحة صغيرة".
بات واضحاً للجميع ما يسعى نتنياهو لانتزاعه من ترامب، وجدية خطط التهجير. حتى إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذر من نوايا إسرائيل تهجير الفلسطينيين من غزة والسيطرة على الضفة الغربية. هنالك مؤشرات على مشاكل في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بسبب عدم رضا إسرائيل عن أفعال حماس في المرحلة الأولى. في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، وهناك حديث عن خطط إسرائيلية لطرد الفلسطينيين من غزة، بالإضافة إلى السيطرة على الضفة الغربية.
كما أبدى خمسة وزراء خارجية عرب، في رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، معارضتهم لخطة تهجير الفلسطينيين من غزة. وذكر موقع "أكسيوس" أن الرسالة التي وقعها وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن دعت إلى أن تتم إعادة الإعمار في غزة من خلال التفاعل المباشر مع أهالي غزة ومشاركتهم. وأضاف الوزراء الخمسة أنه ينبغي عدم إخراج الفلسطينيين من أرضهم أثناء إعادة الإعمار، حيث يجب أن يشاركوا بفعالية في العملية وبدعم من المجتمع الدولي.
في تطور لافت، كشفت هيئة البث الإسرائيلية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن تل أبيب مستعدة للتعايش مع بقاء حماس، ولكن ليس داخل قطاع غزة. وأضافت أن إسرائيل تناقش مع الإدارة الأمريكية نموذجاً مشابهاً لما جرى بعد غزو لبنان عام 1982، حين استقبلت تونس عناصر منظمة التحرير الفلسطينية، والمتمثل في إبعاد بعض أو جميع كبار مسؤولي حماس خارج القطاع. وأشارت الهيئة إلى أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر هذا حلاً من وجهة نظرها.
نرحب بضيف التاسعة من واشنطن، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حسين عبد الحسين. أستاذ حسين، أهلاً بك معنا دائماً في التاسعة. لا نستغرب من ترامب، الذي يريد الاستحواذ على جزيرة ودولة ومضيق، أن لا يرى عيباً في الاستحواذ على أراضٍ فلسطينية من قبل الجانب الإسرائيلي. ولكن نتساءل: هذا الكرم والسخاء الأمريكي يتعارض حتى مع أجندة ترامب في إحلال السلام بالشرق الأوسط، فكيف سيحلها باعتقادك؟
أنا أصدق أن ترامب ليس عقائدياً، بل يتصرف كرجل أعمال. حتى في موضوع ضم كندا أو غرينلاند أو بنما أو أي أرض أخرى، هو يعتبرها مشاريع تجارية. كما سمعنا تصريحه عن غزة، حيث يقول إنها تحتاج إلى ما بين عشر إلى خمس عشرة سنة لإعادة الإعمار، ويرى أن الغزّيين يمكنهم الانتقال مؤقتاً إلى أراضٍ مجاورة ثم يعودون. هو لا يفكر في التاريخ أو الثقافة أو الشعوب.
أما بشأن الضفة الغربية، فهو عندما قال إن مساحة إسرائيل صغيرة، كان ينسف تماماً أي حقوق للفلسطينيين في موضوع الضفة. هذا ليس أمراً جديداً، فقد قالها خلال مرحلة الانتخابات أمام اليهود في إحدى المناسبات، مشيراً إلى أنه يفكر في كيفية زيادة مساحة إسرائيل. اليوم، إسرائيل موجودة في الجولان السوري المحتل، وتبني قواعد عسكرية ولا تبدو أنها تنوي التراجع عن الأراضي التي قد ضمتها، وهي موجودة أيضاً في لبنان وترفض الخروج من بعض القرى الجنوبية، من دون أي اعتراض أو استنكار أمريكي.
أما فيما يتعلق بخطط ترامب في الشرق الأوسط، فهو يسعى إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي. لكن المملكة تفرض شروطاً واضحة، منها إقامة دولة فلسطينية. فأين هي هذه الدولة في أجندة ترامب أمام نتنياهو، الذي يبدو ذاهباً ليحصل على كل شيء: التطبيع والتهجير؟
نتنياهو يطلب من ترامب أكثر مما نعرف، لأنه لدى ترامب مصداقية عند اليمين الإسرائيلي، وهي مصداقية خسرها نتنياهو. اليمين الإسرائيلي، ممثلاً بأحزاب مثل "سموتريتش"، أعلن أنه إذا انتقلت الهدنة في غزة إلى المرحلة الثانية، فستنتهي حكومة نتنياهو. لهذا، يحاول نتنياهو الحفاظ على حكومته ويعتمد على ترامب لدعمه أمام اليمين الإسرائيلي.
فيما يتعلق بالتطبيع، فالأمور معقدة. السعودية لا تطالب بالتطبيع فقط، بل باتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة. هناك عدة أبعاد للاتفاق: بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين إسرائيل والسعودية، وبين السعودية وأمريكا. بعض الأبعاد تم التوصل إلى تفاهم حولها، مثل الاتفاقية الدفاعية، لكن لا يزال هناك عقبات، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية.
البعض يرى أن إسرائيل قد تحصل على ما يرضي اليمين الإسرائيلي وفي الوقت نفسه يرضي دول المنطقة، من خلال تحجيم دور إيران. هل يمكن أن يمنح ترامب الضوء الأخضر لإسرائيل مقابل مسار نحو دولة فلسطينية، وليس دولة فعلية؟
اليمين الإسرائيلي ليس لديه سياسة أو رؤية استراتيجية، بل هو مجموعة من السياسيين الشعبويين الذين يطلقون شعارات متطرفة. إذا كانت هناك سياسات جدية تجاه التطبيع أو توجيه ضربة لإيران، فسيحتاج ذلك إلى إخراج اليمين الإسرائيلي من المشهد، وإدخال أحزاب الوسط واليسار إلى تحالف نتنياهو، كما حدث في حرب أكتوبر 2023.
السؤال هنا: إلى أي مدى يمكن لترامب أن يتحرر من ضغط اللوبي الصهيوني؟ فهو يحاول إرضاء المحيطين به، وإدارته مكونة في الغالب من عناصر منحازة لإسرائيل.
